فصل: الخبر عن اللطينيين وهم الكتيم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن اللطينيين وهم الكتيم المعرفون بالروم من أمم يونان وأشياعهم وشعوبهم وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره:

هذه الأمة من أشهر أمم العالم وهي ثانية الغريقيين عند هروشيوش ويجمعان في نسب يونان وثالثهم عند البيهقي ويجتمعون في نسب يونان بن علجان بن يافث واسم الروم يشملهم ثلاثتهم لما كان الروم أهل المملكة العظمى منهم ومواطن هؤلاء اللطينيين بالناحية الغربية من خليج القسطنطينية إلى بلاد الافرنجة فيما بين البحر المحيط والبحر الرومي من شماليه وملك هذه الأمة قديما كانت لهم مدينة اسمها طروبة وذكر هروشيوش أن أول من ملك من اللطينيين ألفنس بن شطرنش بن أيوب وذلك لعهد دائرة بني اسرائيل وقد مر ذكرها في آخر الألف الرابع من مبدأ الخليقة وملك من بعده ابنه بريامش واتصل الملك في عقب الفنس هذا وإخواته وكان منهم كرمنس بن مرسية بن شيبن بن مزكة الذي ألف حروف اللسان اللطيني وأثبتها ولم تكن قبله وذلك على عهد يواثير بن كلعاد من حكام بني إسرائيل بعد أربعة آلاف وخمسين من مبدأ الخليفة.
وكان بين هؤلاء اللطينيين وبين الغريقيين وإخوانهم فتن طويلة وعلى يدهم خربت طروبة مدينة اللطينيين لعهد أربعة آلاف ومائة وعشرين من مبدأ الخليفة أيام عبدون ملك بني إسرائيل وقد مر ذكره وكان ملكهم يومئذ أناش من عقب بريامش بن ألفنس بن شطرنش وولي بعده ابنه أشكانيش بن أناش وهو الذي بنى مدينة ألبا ثم اتصل الملك فيهم إلى أن افتراق أمرهم ثم كان من أعقابهم برقاش أيام انقراض ملك الكدانيين وصار للمازنيين والقضاعيين على عهبن عزياه بن أمصيا من ملوك بني إسرائيل ولعهد أربعة آلاف ومائة وعشرين سنة من مبدأ الخليفة فصار الأمر في اللطينيين لبرقاش هذا بتولية ملك المازنيين ما كان لهم وللسريانيين قبلهم من الصيت في العالم والتفوق على الملوك بنسبهم وعصبيتهم ثم اتصل الملك لابنه ولحافديه روملوس وأماش وهما اللذان اختطا مدينة رومة وذلك لعهد أربعة آلاف وخمسمائة سنة من مبدأ الخليفة وعلى عهد حزقيا بن آحاز ملك بني إسرائيل ولأربعمائة ونيف من خراب مدينة طروبة وكان طول مدينة رومة من الشمال إلى الجنوب عشرين ميلا في عرض إثني عشر ميلا وارتفاع سورها ثمانية وأربعون ذراعا في عرض عشرة أذرع وكانت من أحفل مدن العالم ولم تزل دار مملكة اللطينيين والقياصرة منهم حتى صبحهم الإسلام وهي في ملكهم.
وكان اللطينيون بعد روملس وأماش وانقراض عقبهم قد سئموا ولاية الملوك عليهم فعزلوهم وصار أمرهم شورى بين الوزراء وكانوا يسمونهم القنشلش ومعناه الوزراء بلغتهم وكان عددهم سبعين على ما ذكر هروشيوش ولم يزل أمرهم على ذلك مدة سبعمائة سنة إلى أن استبد عليهم قيصر بولش بن غايش أول ملوك القياصرة كما نذكر بعد.
وكانت لهم حروب مع الأمم المجاورة لهم من كل جهة فحاربوا اليونايين ثم حاربوا الفرس من بعدهم واستولوا على الشام ومصر ثم ملكوا جزيرة الأندلس ثم جزيرة صقلية ثم أجازوا إلى أفريقية فملكوها وخربوا قرطاجنة وأجاز أهل أفريقية إليهم وحاصروا رومة واتصلت الفتن بينهم عشرين سنة أو نحوها على ما نذكر.
وذهب جماعة من الإخباريين إلى أن الروم من ولد عيصو بن اسحق عليه السلام قال ابن كريون: كان لليفاز بن عيصو ولد اسمه صفوا ولما خرج يوسف من مصر ليدفن أباه يعقوب في مدينة الخليل عليه السلام واعترضه بنو عيصو وقاتلوه فهزمهم وأسر منهم صفوا بن أليفاز وبعثه إلى أفريقية فصار عند ملكها واشتهر بالشجاعة وحدثت الفتنة بين أغنياس وبين الكيتم وراء البحر فأجاز إليهم أغنياس في أهل أفريقية وأثخن فيهم وظهرت شجاعة صفوا بن أليفاز ثم هرب صفوا إلى الكيتم وعظم بينهم وحسن أثره في أهل أفريقية وفي الأمم المجاورة لكيتم من أموال وغيرها فزوجوه وملكوه عليهم قال: وهو أول من ملك في بلاد أسبانيا وأقام ملكا خمسا وخمسين سنة ثم عد ابن كريون بعد ستة عشر ملكا من أعقابه آخرهم روملس باني رومة وكان لعهد داود عليه السلام وخاف منه فوضع مدينة رومة وبنى على جميعها هياكله ونسبت المدينة إليه وسميت باسمه وسمى أهلها الروم نسبة إليها.
ثم عد بعد روملس خمسة من الملوك اغتصب خامسهم رجلا في زوجه فقتلت نفسها وقتله زوجها في الهيكل وأجمع أهل رومة أن لا يولوا عليهم ملكا وقدموا شيوخا ثلثمائة وعشرين يدبرون ملكهم فاستقام أمرهم كما يجب إلى أن تغلب قيصر وسمى نفسه ملكا فصاروا من بعده يسمون ملوكا انتهى كلام ابن كريون.
وهو مناقض لما قاله هروشيوش فإنه زعم أن بناء رومة كان لعهد داود عليه السلام وهروشيوش قال: إنه كان لعهد حزقيا رابع عشر ملوك بني يهوذا من لدن داود عليه السلام وبين المدتين تفاوت وخبر هروشيوش مقدم لأن واضعيه مسلمان كانا يترجمان لخلفاء الإسلام بقرطبة وهما معروفان ووضعا الكتاب فالله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك.